في خطوة مفاجئة تُعيد خلط الأوراق في الحرب التقنية بين الولايات المتحدة والصين، أعلنت ثلاث من أكبر شركات برمجيات تصميم الرقائق في العالم — « سيمنز إي دي إيه »، « سينوبسيس »، و »كادنس » — أنها تلقّت إشعارات رسمية من وزارة التجارة الأميركية تفيد برفع القيود المفروضة على تصدير أدوات التصميم الإلكتروني (EDA) إلى السوق الصينية.
ويُعد هذا التحول بمثابة تليين في موقف واشنطن التي فرضت، في ماي الماضي، قيودًا صارمة على تصدير البرمجيات المرتبطة بصناعة أشباه الموصلات، خصوصًا تلك المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والمعالجات المتقدمة، في إطار جهودها لاحتواء التقدم الصيني في هذا المجال الاستراتيجي.
الشركات الأميركية تستأنف نشاطها في الصين
وأكدت شركة « سيمنز » أنها « استعادت الوصول الكامل إلى السوق الصينية »، وأعلنت استئناف عمليات البيع والدعم الفني، في حين تعمل كل من « سينوبسيس » و** »كادنس »** على تنفيذ الخطوة ذاتها. وتمتلك هذه الشركات مجتمعةً أكثر من 70% من سوق أدوات التصميم الإلكتروني العالمي، وتُعتبر مزوّدًا رئيسيًا للمصنعين حول العالم.
القيود السابقة كانت تلزم الشركات بالحصول على تراخيص خاصة لتصدير البرمجيات إلى الصين، مما عطّل العديد من المشاريع التقنية وأثر على إيرادات الشركات، حيث صرّح الرئيس التنفيذي لـ »سينوبسيس »، ساسين غازي، أن السوق الصينية شكّلت فقط 10% من إيرادات الشركة في الربع الثاني من 2025، بسبب القيود المفروضة.
خلفيات اقتصادية ودوافع سياسية
قرار وزارة التجارة الأميركية يأتي بالتزامن مع إعلان تقدم في المفاوضات التجارية بين بكين وواشنطن، حيث تحدّثت تقارير عن اتفاقيات مبدئية لاستئناف بعض التبادلات التكنولوجية، بما في ذلك المعادن النادرة الضرورية لصناعة الرقائق.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يُعبّر عن رغبة متبادلة في خفض التصعيد واحتواء تداعيات الحرب التقنية التي أثرت بشكل مباشر على سلاسل الإمداد العالمية، وأحدثت اضطرابات في قطاع الحوسبة المتقدمة والاتصالات.
الصين تواصل سياسة « الاستقلال التكنولوجي »
رغم الانفراجة الظرفية، لا تُخفي الصين طموحاتها في بناء منظومة مستقلة لصناعة الرقائق، حيث ضاعفت من دعمها للشركات الوطنية المتخصصة في برمجيات التصميم الإلكتروني، في محاولة لتقليص الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحساس.
ويُفهم من هذا التطور أن واشنطن تسعى إلى إعادة ضبط التكتيك دون التنازل عن استراتيجيتها الكبرى في احتواء الصعود التكنولوجي الصيني، خصوصًا في قطاعات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والتقنيات العسكرية ذات الاستخدام المزدوج.