في الذكرى الـ63 لاستقلالها الوطني، تواصل الجزائر كتابة فصل مميّز في مسيرتها نحو السيادة الطاقوية، مرتكزة على إرث تاريخي من الإنجازات والإصلاحات الجريئة التي جعلتها فاعلًا رئيسيًا في سوق الطاقة العالمية.
على مدى ستة عقود، لم يكن الطريق سهلاً، لكن الجزائر نجحت في تحويل مواردها الهيدروكربونية إلى رافعة استراتيجية للتنمية الاقتصادية وتعزيز الاستقلال الوطني، واضعة نصب عينيها هدفًا جوهريًا: الأمن الطاقوي والتكيّف مع التحولات العالمية.
تأسيس سوناطراك… نقطة التحول الكبرى
في 31 ديسمبر 1963، كان قرار تأسيس الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك إيذانًا بمرحلة جديدة عنوانها استرجاع السيادة على الموارد. وقد تعزز هذا التوجه التاريخي بقرار تأميم المحروقات في 24 فبراير 1971، الذي أنهى أي هيمنة أجنبية على الثروة الوطنية، ومهّد لشراكات دولية قائمة على احترام السيادة الوطنية وتحت إشراف سوناطراك.
هذا الإطار السيادي مكّن الجزائر من التحكم التام في دورة إنتاج واستغلال المحروقات، وتحويلها إلى مصدر تمويل أساسي للمشاريع الكبرى والاستقرار الاقتصادي.
الريادة العالمية في الغاز الطبيعي المسال
سنة 1964، دوّنت الجزائر اسمها في السجل الذهبي للطاقة حين أصبحت أول دولة في العالم تصدّر الغاز الطبيعي المسال، من خلال مركب أرزيو التاريخي. واليوم، تواصل الجزائر تصدّر هذا المجال إفريقيًا، وتحتل المرتبة السابعة عالميًا بقدرات تسييل تتجاوز 25.3 مليون طن سنويًا.
على الصعيد البنيوي، استثمرت الجزائر مليارات الدولارات في شبكات نقل الغاز والنفط ومراكز التخزين ومحطات إنتاج الكهرباء لضمان الاكتفاء الوطني والتصدير المستقر، خصوصًا نحو أوروبا التي تعتمد بشكل متزايد على الغاز الجزائري.
يصل إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي إلى 140 مليار متر مكعب سنويًا، منها أكثر من 50 مليار متر مكعب مخصصة للتصدير، في وقت تقدّر الاحتياطيات بأكثر من 4300 مليون طن مكافئ نفط، ما يعزز قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها الطاقوية لعقود مقبلة.
بيئة استثمارية جاذبة وإصلاحات مبتكرة
في إطار مساعي تحديث الإطار القانوني، اعتمدت الجزائر قانونًا جديدًا للمحروقات يتيح تسهيلات ضريبية وإجرائية، ما ساهم في استعادة ثقة كبريات الشركات العالمية.
وقد تُوجت هذه الجهود بمنح تراخيص استكشاف واستغلال لخمس مناطق جديدة ضمن مناقصة Algeria Bid Round 2024، في مؤشر على جاذبية المناخ الاستثماري الجزائري.
إلى جانب ذلك، تنفذ الجزائر مشاريع بتروكيماوية استراتيجية بكلفة 7 مليارات دولار ستدخل الخدمة بين 2025 و2029، بهدف زيادة القيمة المضافة للمحروقات وتحفيز التشغيل والتصنيع المحلي.
التحوّل الطاقوي… تحضير الجزائر لمرحلة ما بعد النفط
في مواجهة التحديات المناخية والضغوط العالمية للانتقال الطاقوي، وضعت الجزائر خطة لتركيب 15,000 ميغاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2035، منها 3000 ميغاواط قيد التنفيذ حاليًا.
توازياً، تعمل سوناطراك على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتقليص عمليات الحرق في المشاعل، بما ينسجم مع التزامات الجزائر البيئية وأهداف التنمية المستدامة.
الهيدروجين الأخضر… رهان المستقبل
من المشاريع الطموحة التي تعكف الجزائر على تطويرها مشروع South H2 Corridor، الذي سيربط الجزائر بإيطاليا والنمسا وألمانيا لنقل الهيدروجين الأخضر المنتج بالطاقة الشمسية والرياح.
هذا المشروع سيعزز مكانة الجزائر كجسر طاقوي بين إفريقيا وأوروبا، ويدعم تنويع صادراتها بما يتماشى مع التحولات العالمية.
رؤية استراتيجية للاستقلال والسيادة
منذ الاستقلال، أرست الجزائر معادلة طاقوية قائمة على:
🔹 استقلال القرار السيادي
🔹 التنوع في الشراكات
🔹 استشراف المستقبل
وقد صرّح الرئيس تبون مرارًا بأن:
“الجزائر ستظل شريكًا موثوقًا للطاقة، لكنها لن تتنازل عن سيادتها على مواردها واستقلالية قرارها.”
في ظل هذه التوجهات، تواصل الجزائر تأكيد حضورها كأحد اللاعبين الكبار في سوق الطاقة الدولية، القادرين على التكيف مع التحولات والمساهمة في استقرار الأسواق.
#الجزائر #الطاقة #سوناطراك #الغاز_الطبيعي #الهيدروجين_الأخضر #استثمار #انتقال_طاقوي #رأس_المال